تاريخ الاعارات في كرة القدم.. وما معنى اعارة لاعب؟
شهدت كرة القدم تطورًا هائلاً وسريعًا داخل الميدان من خطط وأساليب لعب وتغيير مستمر في قوانينها مثل الاستعانة بتكنولوجيا عين الصقر وتكنولوجيا الفيديو المساعد VAR، لكنها تعيش تطورات أشمل وأعمق من ذلك فيما يتعلق بسيطرة الرعاة والمعلنين وتأثيرهم على مستقبل كل فريق في وسائل نقل اللاعبين من بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في الاربعينات والخمسينات، فسمع عشاق كرة القدم أرقامًا فلكية في انتقالات اللاعبين بالدوري الإنجليزي الممتاز لم يتوقعها أحد، ومع اتساع رقعة المنافسة على الألقاب المحلية والقارية بين الأندية في الستينات والسبعينات.
وتزامنًا مع تدشين مسابقتي عصبة أبطال أوروبا وكأس المعارض، ارتفعت قيمة لاعب كرة القدم من الناحية الفنية والمالية والإعلامية، لتظهر انتقالات بميزانيات سنوية لدول العالم الثالث ورواتب سنوية وشهرية وأسبوعية، فضلاً عن تعدد أنظمة النقل ما بين نظام الاعارة والانتقال الحر والانتقال بقانون بوسمان بدءًا من عام 1995.
وتدرجت انتقالات اللاعبين عندما انضم الاسطورة البرازيلية بيليه والاسطورة الالمانية فرانز بيكنباور إلى أندية الدوري الأميركي بمبالغ فلكية في السبعينات.
وتضاعف التطور في الثمانينات بانتقالات للاعبين أمثال كيفين كيجان ويوهان كرويف وميشيل بلاتيني ودييجو آرماندو مارادونا ومارك هيوز.
وبعد إلتحاق الأندية في إنجلترا وإيطاليا بالبورصة أوائل التسعينيات ارتفعت أسهم اللاعبين بسرعة الصاروخ، ولم يصبحوا هم الرابح الأوحد، فقد باتت الكرة بشتى فروعها تَدر ملايين الجنيهات والدولارات واليوروهات على جميع المنتمين لها بما في ذلك الصحفيين خاصةً ممَن تحولوا إلى العمل ككشافين أو كــ وكلاء للاعبين.
ما هو نظام الاعارة في كرة القدم؟
الاعارة هو نظام يتيح للأندية غير القادرة على الشراء ودفع الأموال في سوق الانتقالات، اقتراض لاعب ما خلال الميركاتو الصيفي أو الميركاتو الشتوي أو حتى خلال الموسم، مقابل تكفل النادي المقترض بتسديد الراتب الشهري أو السنوي الذي يتحصل عليه اللاعب مع ناديه الأصلي.
قد تستمر صفقات الاعارة إلى بضعة أسابيع أو لمدة نصف موسم أو لمدة موسم أو لمدة 18 شهرًا، ويمكن أن تستمر لعدة مواسم.
ويُعد إنتقال اللاعبين صغار السن على سبيل الاعارة هو الأكثر شيوعًا في كرة القدم، بهدف اكسابهم خبرة قْيِمة للعب فيما بعد مع فرقهم الأصلية عند انتهاء فترة الاعارة، وفي هذه الحالة قد يستمر النادي الأمر في دفع أجور اللاعب بالكامل أو بشكل جزئي حسب الاتفاق، وهذا ما فعله مانشستر يونايتد ورويال أنتويرب وآرسنال وبفيرين وتشيلسي وفيتيس آرينهايم، على سبيل المثال.
وفي بطولات الدوري الأخرى مثل الدوري الإيطالي، فإن بعض الأندية الصغيرة يُطلق عليها “أندية المزارع”، حيث يقترضون عددًا من خريجي أكاديميات الأندية الكبرى لتطويرهم ومساعدتهم على النمو الفني والشخصي.
ويجوز للنادي أن يأخذ لاعبًا على سبيل الاعارة إذا كان لديه نقص في الأموال بشرط تسديد راتبه أو الاستعانة به كغطاء مؤقت للإصابات أو للإيقافات خلال الموسم.
وقد يسعى فريق ما إلى استعارة لاعب فقّد لياقته البدنية بعد الإصابة، كما في حالة آرون رامسي عندما أعاره آرسنال إلى كارديف عام 2011 بعد إصابته الشهيرة أمام ستوك سيتي.
متى تحدث الاعارة في كرة القدم؟
تبدأ بعض الأندية في إبرام صفقاتها الدائمة بالبدء من استعارة اللاعبين ثم توقيع عقود دائمة معهم ذلك بعد التأكد من قدرتهم على التأقلم مع أسلوب لعب الفريق ومع باقي زملائهم، وقد تشمل تلك الاستعارات رسومًا متفقًا عليها بشكل مسبق بين الفريقين واللاعب يتم تسديدها من الفريق الشاري عند فتح نافذة لنقل التالية.
اللاعبون غير السعداء الذين دخلوا في نزاعات غير رياضية مع مدربيهم أو إدارات أنديتهم، وسعر انتقالهم مرتفع بالنسبة للأندية الراغبة في التوقيع معهم، ينتقلون بنظام الاعارة لحين التوصل لحل للمشكلة أو انتهاء عقده مع ناديه القديم، كما حدث في حالة الأرجنتيني خوان رومان ريكيلمي عام 2007 عندما اختلف مع مدرب فياريال مانويل بيلجريني فتمت إعارته لمدة موسمين لبوكا جونيورز، والشيء نفسه حدث مع السنغالي هنري كامارا وإدارة ولفرهامبتون، والويلزي كريج بيلامي وإدارة نيوكاسل يونايتد، والإنجليزي دارين بينت وأستون فيلا.
وفي بعض الدوريات مثل الدوري الإنجليزي الممتاز والدوري الإسباني يوجد قانون يمنع اللاعب المعار من المشاركة ضد فريقه المعار منه ضمن منافسات الدوري، لكن هذا القانون لا يُطبق في مسابقات الكأس، إلا إذا كان اللاعب قد شارك مع فريقه القديم في الكأس خلال نفس الموسم.
وفي الدوري الاسكتلندي للمحترفين، يُسمح لناديين الاستعانة باللاعبين غير مدفوعي الأجر حتى في المباريات التنافسية، وفي بعض الأحيان خلال الأسبوعين الأولين من الفترة التجريبية تكون أسماء اللاعبين مُبهمة، وتستخدم رموز أخرى للإشارة إلى هؤلاء اللاعبين بدلاً من استخدام أسمائهم الحقيقية.
متى بدأ نظام الاعارة ومتى كانت أول اعارة في التاريخ؟
جرت العادة ألا تكون صفقات الانتقال الدائم مُشتعلة خلال فترة الانتقالات الشتوية (الميركاتو الشتوي) كما هو الحال في فترة الانتقالات الصيفية من كل عام، فمعظم الأندية تُفضل ضم لاعبين جدد على سبيل الاعارة في يناير لمدة 6 أشهر لحل مشكلة إصابة لاعب أساسي لمدة طويلة.
يَرجع أول انتقال على سبيل الاعارة في تاريخ كرة القدم إلى عام 1872، أي بعد حوالي 15 عامًا فقط من تأسيس الإنجليز للعبة.
في مارس 1872، لعُبت أول مباراة نهائي في تاريخ بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي، وجمعت فريقا واندرز أف سي ورويال إنجينيرس، وتفاجأ الناس آنذاك باسم لاعب غريب يُدعى شيكوير A. H. Chequerr في تشكيلة نادي واندرز، وكان ذلك اسمًا مستعارًا للاعب مورتون بيتس الذي كان يلعب عادة مع فريق Harrow Checkers، لكن ذلك الفريق قرر الانسحاب من الجولة الأولى للبطولة، وذلك لم يمنع انتقال بيتس إلى ناد آخر على سبيل الاعارة للعب في المباراة النهائية لأول بطولة في تاريخ المستديرة.
وكان من المثير تمكن الـ مورتون بيتس من تسجيل هدف المباراة الوحيد لصالح نادي “واندرز أف سي” ليتوج بأول لقب لكأس الاتحاد الإنجليزي في تاريخه، والذي احتفظ به في الموسم التالي قبل أن يحققه من جديد في ثلاث مناسبات متتالية أعوام 1876 و1877 و1878.
الانتقال على سبيل الاعارة خلال أيام الهواة في كرة القدم، كان من أسهل الأمور التي تقوم بها الأندية، ففي مرات عديدة انتقل لاعب بنظام الاعارة المؤقتة لتعويض غياب لاعب مُصاب أو لمشاكل السفر، فقد كانت الأندية تقترض لاعبين لاكمال قائمة الفريق الأول.
الاعارات لم تكن تمثل أي مشكلة حقيقية حتى أصبحت كرة القدم محترفة، وأصبح اللاعبون مرتبطين بعقود مع الأندية الأم.
قصة بلاكبيرن والمرتزقة تغير وجه الميركاتو
ترجع أول مشكلة حدثت بسبب عدم وجود ضوابط في عمليات النقل بنظام الاعارة إلى عام 1885 حين قامت إدارة بلاكبيرن روفرز بضم ثلاثة لاعبين على سبيل الاعارة قبيل أيام من مباراة ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي أمام نادي وست بروميتش البيون، هم: (توت روسترون قائد نادي جريت ليفير، ومهاجم نادي بريستون فريد ديورست، وجناح نادي أكرينجتون جورج هاورث).
وقيل أن الصفقة تمت بعد اجتماع سري في مدينة بلاكبيرن، فتدخل الاتحاد الإنجليزي من أجل مَنع اللاعبين الثلاثة من المشاركة أمام بروميتش، لكن بلاكبيرن استطاع الفوز بهدفين وتقدم إلى نصف النهائي ثم النهائي الذي واجه في كوينز بارك.
المثير للدهشة في ذلك، أن جورج هاورث القادم من أكرينجتون، سُمح له باللعب مع بلاكبيرن في النهائي وساعد الفريق الذي تبناه على الفوز بنتيجة 2/صفر، وأتهم بعدها بلاكبيرن بأنه ضحى بأي فخر عن طريق التسول للاتحاد الإنجليزي للسماح بمشاركة هاورث فقط، وأشار أحد المصادر أن كوينز بارك كذلك استعار عدد كبير من أفضل اللاعبين الاسكتلنديين في ذلك الوقت، بالتالي فلم يكن أمام بلاكبيرن سبيل أخر لقهر أحد أشرس الخصوم آنذاك في كرة القدم البريطانية.
وانتقدت صحيفة أثلتيك نيوز الإنجليزية فكرة نظام الإعارات، قائلة “الاعارة إجراء غير مقبول، فهو لا يمنح الفرق ميزة غير عادلة فقط بل يخلق منافسة غير صحية بين الفرق وبعضها البعض، لأن كل الفرق لا تستطيع القيام بمثل هذه الصفقات، ما زاد من شر الاحتراف، وتجعل من لاعبي كرة القدم مرتزقة، فسوف ينتقل اللاعب إلى الفريق الذي يدفع أكثر”.
وفي أبريل 1898 قام الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بحظر نظام استعارة اللاعبين قبل المباريات الخاصة، ولم تلتزم الأندية بهذا الحظر، وفي عام 1901 تمت تحذير نادي ميدلسبره بعد انتقال حارس المرمى جيمس سوندرز إلى صفوفه بنظام الاعارة، وغرم بريستون مبلغ 5 جنيهات إسترليني لتوقيعه مع جون ويلكي بنظام الاعارة من نادي بارتيك ثيسل.
شانكلي..الضيف الاسثتنائي
تقرر إلغاء نظام الاعارات بداية من عام 1901 حتى بداية الحرب نهاية الثلاثينيات، وعندما توقفت مسابقة دوري الدرجة الأولى وحل محلها دوري إقليمي، عاد العمل بنظام الاعارات مع إجراء تعديل بسيط يسمح بمشاركة اللاعب مع أكثر من فريق في الأسبوع الواحد بسبب قلة عدد اللاعبين وقتها حيث انضمت الغالبية العظمى من لاعبي كرة القدم إلى القوات المسلحة وكان من الصعب على الأندية جمع اللاعبين وبدء المباراة بـ 22 لاعبًا، لذلك تم إدخال نظام “الضيف الاستثنائي”، وهو نظام يسمح للأندية بإقتراض اللاعبين حسب المباراة.
أدى ذلك إلى ظهور بعض نجوم كرة القدم الكبار، أمثال ستان مورتنسن الذي كان بين صفوف بلاكبول ولعب مع آرسنال، وإيدي هابجود من آرسنال إلى تشيلسي، وستان كوليس من ولفرهامبتون إلى ليفربول، وبيل شانكلي من بريستون إلى ليفربول، وبات بيل شانكلي فيما بعد أسطورة ليفربول بفضل قيادته للفريق للفوز على إيفرتون عام 1942 خلال إعارته القصيرة من وولفز.
كان أفضل اللاعبين في المملكة المتحدة تحت طلب جميع الأندية في وقت الحرب، وبعضهم لعب لأندية مختلفة في نفس الأسبوع أو حتى في نفس اليوم (حسب تأكيد صحيفة جارديان)، وهناك حالة لا تُنسى يوم عيد الميلاد عام 1940، لعب الدولي “لين شاكلتون” في الصباح مع برادفورد بارك أفنيو، وفي الظهيرة لعب مع برادفورد سيتي، والمفارقة كانت تسجيله لهدف في كلتا المباراتين!.
ستانلي ماثيوز، كان هو أبرز شخصية رياضية في زمن الحرب بإمتياز، انضم إلى سلاح الجو الملكي البريطاني بالقرب من مدينة ناديه “بلاكبول”، ما ساعده على المشاركة في مباريات الفريق بنظام الاعارة من ستوك سيتي، وبعدها انضم بعقد دائم، علمًا بأنه لعب بعض المباريات في زمن الحرب لكل من “مانشستر يونايتد وآرسنال” حتى أنه ظهر مع منتخب اسكتلندا بنظام الاعارة الاستثنائي (اللاعب الضيف).
عهد جديد وتأثير بوسمان
عندما عادت الحياة لكرة القدم بعد انقضاء الحرب العالمية، وعادت الأندية إلى بناء تشكيلاتها في الخمسينيات والستينيات، تم إلغاء الاعارة بنظام اللاعب الضيف، وتم تعديل قانون الاعارات بشكل رسمي عام 1966، وأصدرت رابطة كرة القدم الإنجليزية ما وصفته الصحف بأنه “أكثر اقتراح مثير للذهول” بالسماح للاعبين بالانتقال من أنديتهم بشكل مؤقت مع بعض القيود، ومَكن القانون قيام كل فريق باستعارة لاعبيّن اثنين فقط في الموسم الواحد، دون دفع رسوم للاستعارة، وكان يجب أن تستمر الاعارة الواحدة لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، ويمكن أن تتم بين الأندية في مختلف الأقسام فقط وليس بين جميع الأقسام والدرجات.
وتوقف العمل بنظام الاعارة في عام 1980 بشكل مؤقت عندما تم حظر نقل اللاعبين بخلاف حراس المرمى، لكن اقتراح عام 1966 نظم عملية الانتقال على سبيل الاعارة على نحو فعال كما نعرفه اليوم.
وطبق التشريع الخاص بالاعارات من جانب الاتحاد الإنجليزي على جميع دوريات أوروبا، وتم إضافة بعض التغييرات عليه خلال السنوات اللاحقة لا سيما عام 1995 بعد صدور قانون بوسمان الذي هز نظام الانتقالات بأكلمه، بعد فوز اللاعب البلجيكي المغمور جان مارك بوسمان بمعركته القضائية ضد ناديه “أولمبيك شارليروي” حين منعه من الانتقال إلى فريق جديد رغم انتهاء عقده عام 1990، وأقرت المحكمة الرياضية بعد صراع دام خمسة أعوام بين بوسمان وناديه، بالسماح للاعبين بالتفاوض مع أي فريق جديد قبل 6 أشهر من انتهاء عقودهم مع الفريق القديم، ومن هنا ظهر قانون “الانتقال الحر” الذي سنناقشه معكم في تقرير آخر قريبًا..