تحليل | حياة كوتينيو تبدأ في الشتاء!
أوفى كوتينيو بعهده مع برشلونة بوضع إدارة ليفربول تحت ضغط لا مثيل له على مدار خمسة أشهر ليجبرهم على تركه ينتقل إلى قلعة كامب نو فور فتح باب الانتقالات الشتوية 2018.
القصير المكير وطد علاقته الوثيقة مع موسم تساقط الثلوج للمرة الرابعة في مسيرته منذ أن بدأ مع فاسكو دي جاما كمعار من الإنتر بقرار من الرجل الخاص.
استطاع اقتحام القوائم التاريخية لأغلى اللاعبين في العالم بمبلغ هَز الشارع الرياضي أكثر من اهتزازه من صفقة نيمار وباريس سان جيرمان في الصيف الماضي، وخلال أول مباراة أمام أحد فرقه السابقة “إسبانيول” في كأس ملك إسبانيا نهاية الأسبوع الماضي، حين حل محل الماضي “إنييستا” ليضع بصمات بسيطة أكدت للحضور أنه “المستقبل”.
بدايات هذا الشاب البرازيلي لم تكن توحي أبداً بأن قيمته المالية ستزداد بهذا الشكل السريع والجنوني في يوم من الأيام، بسبب قصر قامته وهشاشته الجسدية وأنانيته، فضلاً عن ضعف الهالة الإعلامية التي أحاطت به في مستهل مشواره، لهذا كان انتقاله بالـ 160 مليون يورو بمثابة الصدمة للجميع، على النقيض من حالة نيمار، فالتوقعات والتكهنات التي رافقته منذ أيامه الأولى مع سانتوس رفعت من قدره وأهّلته لأن يكون أغلى لاعب في تاريخ المستديرة فيما بعد.
التكوين الجسماني لكوتينيو ومراوغاته الكثيرة وتمريراته القليلة أوحت لمَن تابعوه مع الإنتر وإسبانيول بأنه سيكون دينلسون آخر أو مُجرد لاعب برازيلي لن يقوى على مُجاراة الكرة الأوروبية الحديثة. مرات كثيرة كنت أصفه بـ “مقلب” شربه إنترنزونالي مثل العديد من الأسماء لعل أبرزها جوارين وكواريشما وبانديف.
لكن كوتينيو استطاع تطوير نفسه وقابل أناس ساعدوه على صقل مواهبه في التسديد بعيد المدى وفي تنفيذ الركلات الثابتة بمختلف أنواعها، فضلاً عن تحويله من لاعب فردي إلى لاعب جماعي يساعد زملاءه على التسجيل، ودقته العالية في التمرير البيني والأرضي خلف المدافعين كانت من أهم الأشياء التي اكتسبها من العمل مع بوتشيتينو ثم يورجن كلوب.
في البداية شعر كوتينيو أن الحظ لا يود أن يلعب معه، فخلال الفترة من 2008 إلى 2010 لم يعمل قط مع صاحب فكرة ضمه للإنتر في شتاء 2008 (مورينيو)، إلا أن الكرة بدأت تبتسم له شيئاً فشيئاً، والفضل لشتاء آخر، كان شتاء 2012 عندما قرر الهروب من جحيم رافائيل بينتيز في الإنتر للعمل مع المدرب الواعد “ماوريسيو بوتشيتينو” في إسبانيول خلال سوق الانتقالات الشتوية.
بعد أن أثبت نفسه أمام الجميع في 16 مباراة صنع خلالهم عددا من الأهداف الهامة وسجل خمسة أهداف في صراع الفريق من أجل البقاء ضمن أندية الليغا، كان الإنتر يتخبط إداريًا وفنيًا فاختار كوتينيو تغيير جلده خلال شتاء جديد، كان شتاء 2013.
لم يمر وقتها سوى أشهر معدودة على تولي مدربه القديم “بوتشيتينو” لمسؤولية تدريب “ساوثامبتون”، فطلبه من جديد على ملعب القديسين بمبلغ فاق الثمانية ملايين إسترليني، إلا أنه أخفق في إقناعه، فعقل كوتينيو أخبره بأن مرحلة البناء مع الأندية “الصغيرة” قد ولى بانتهاء فترته مع إسبانيول، وأن الوقت قد حان للانتقال إلى المرحلة الأولى من مراحل النجومية”.
اختار ليفربول وتحدى الصعوبات البيئية والذكريات السيئة للبرازيليين مع الكرة الإنجليزية، ورفع سقف تحديه بعدم الالتفاف إلى ما تضمه تشكيلة “الريدز” من لاعبين في نفس مركزه أمثال “ياجو أسباس وفيكتور موسيس ورحيم سترلينج”.
في الميرسيسايد هزم “فيليبي” كل منافسيه وداعبه الحظ مرات ومرات، أولاً بالتدرب مع الإيرلندي بريندان رودغرز وثانيًا بالعمل مع الألماني يورغن كلوب.
رودرغز من الأشخاص المهمين الذين أثروا بالإيجاب على عقلية كوتينيو، إذ علمه كيفية الضغط بشكل صحيح على حائز الكرة، وكيفية استخلاص الكرة بذكاء واستعادتها بالسرعة الكافية من وسط الملعب. ساعده أيضًا على فهم طبيعة الكرة الإنجليزية والبريطانية عمومًا، وهو ما اعترف به في لقاء صحفي أجراه مع ديلي ميل عام 2015 قبل أيام من وصول كلوب.
التحول من مُجرد لاعب سريع وموهوب يُشبه دينلسون إلى لاعب تكتيكي قادر على التطور واكتشاف ثغرات الخصوم واستغلالها لصالحه يُشبه ريفالدو، لم يستغرق وقتًا طويلاً بسبب فطنته وغياب المنافس سواء في مركزه أو في الركلات الثابتة، ليصبح خلال 5 سنوات أكثر لاعب برازيلي في تاريخ الدوري الإنجليزي تسجيلاً وصناعة للأهداف، برصيد 41 هدفًا و35 تمريرة حاسمة، وثالث أفضل صانع أهداف من ليفربول في عهد البريميرليغ منذ عام 1992 بعد ستيفن جيرارد وستيف ماكمانمان.
لكن لا ننسى أن المبالغة في الاعتماد على “السوبر ستار” في ليفربول منذ سنوات ما بعد الفريق الجماعي الذي كان بحوزة رافا بينيتيز عامي 2004 و2005، شيء أثر بالسلب على أداء كوتينيو الجماعي في الكثير من المباريات، إلا أنه تخلص من تلك المشكلة في الوقت المناسب مع وصول كلوب الذي دربه على اللعب الجماعي والتمرير من لمسة واحدة، وركز معه على تنفيذ الركلات الثابتة، ليجعل منه لاعبًا متكاملاً يتمناه كل مدرب.
كوتينيو بعد أن أجاد كصانع ألعاب رقم “10”، وكجناح هجومي على الجهة اليسرى، وتألق في مركز الارتكاز المتقدم وفي مركز الجناح الأيسر المساند للدفاع، شعر بأهمية تكليل مجهوداته وتطوره هذا ببطولات، وانتظر حتى حان موسم جديد من مواسم الثلوج، ليختار الرحيل إلى برشلونة، للعب مع لاعبين أبطال مثل ميسي وسواريز برقم الأسطورة “يوهان كرويف” بدلاً من الاستمرار في صيام ليفربول الدائم، وكان مُحقًا في ذلك، فهو بهذا التنوع التقني الرائع يستحق أن يكون الخليفة الشرعي للرسام “إنييستا”.