فان دير سار يُفند خطته لتحويل أياكس إلى الحب الثاني لكل جمهور كرة القدم
يتذكر الحارس الأسطوري لمانشستر يونايتد “فان دير سار” حتى وقتنا حالة الذهول التي سيطرت على وجوه زملائه السابقين في أولد ترافورد “ريان جيجز وبول سكواز”، حين كان يود فان دير سار أن يعرف نية احترافهما خارج الدوري الإنجليزي في يوم من الأيام.
اقترح فان دير سار على جيجز وسكولز تعلم لغة جديدة، وتجربة ثقافات ومناخات مختلفة، وربما حتى كسب المزيد من المال والشهرة، لكنهما أجابا بـ “لا”.
وتساءل الحارس الهولندي وأجاب على نفسه، قائلاً “لماذا يفعلون ذلك؟ لأنهم يلعبون لسنوات عديدة في نادٍ كبير، وناديهم في مدينتهم مع العائلة والأصدقاء المقربين، وفازوا بألقاب كبييرة ويتقاضون أموالاً طائلة، كان لديهم كل شيء”.
وكشف عن الحوار الذي دار بينه وبين بول سكولز عندما حثه على مغادرة الدوري الإنجليزي، قائلاً: “حسنًا الطقس في مانشستر؟” لكن بول سكولز رد وقال: “أنا لا أحب الشمس”..أعتقد أن ديفيد بيكهام هو أحد اللاعبين الإنجليز القلائل الذين غادروا مانشستر يونايتد لأنه جاء من لندن”.
بالنسبة لإيدوين فان دير سار، كانت حياته مختلفة تمامًا حيث شق طريقه منذ المباراة الأولي مع أياكس أمستردام، وفاز بدوري أبطال أوروبا عام 1995، ويعمل حاليًا في منصب المدير التنفيذي لأياكس.
ويواجه حارس يوفنتوس وفولهام الأسبق صعوبات حقيقية لتعويض رحيل العديد من النجوم عن أياكس أمستردام في الميركاتو الصيفي، حيث يفعلون ذلك لأسباب رياضية ومالية وعادة ما يكون النادي وراء هذه القرارات لنفس الأسباب.
ولا يزال جميع عشاق كرة القدم، وبالطبع فان دير سار، يتذكرون جيدًا كيف انهار أياكس أمستردام بمنتصف التسعينيات، فبعد تتويج جيل 1995 بدوري أبطال أوروبا، رحل كل من شارك في النهائي التاريخي ضد ميلان الإيطالي.
وغادرت قلعة أياكس خلال 4 أعوام العناصر التي جلبت لقب البطولة، كان آخرهم فان دير سار نفسه سنة 1999 حين رحل إلى البطل القياسي للدوري الإيطالي “يوفنتوس”، وباقي زملائه في الفريق انتقلوا إلى أندية كبرى مثل آرسنال وميلان وبرشلونة والإنتر.
وعن تلك الفترة، يقول فان دير سار “إذا كنتم ترغبون في تطوير مسيرتكم المهنية، فإنكم بحاجة إلى السفر نحو الخارج، حيث كانت الأجور أعلى بالنسبة لنا عما هو الحال في هولندا. عند نقطة معينة من المهم أن تتخذ الخطوة التالية في مسيرتك المهنية”.
شخصية محورية
أضحى الفائز بلقب دوري أبطال أوروبا مع مانشستر يونايتد عام 2008، شخصية محورية في الحكم على هذه النقطة بالنسبة للاعبين الذين تخرجوا في أكاديمية أياكس أمستردام.
ومن الناحية المثالية، سيضطر لتطبيقها كما حدث مع لاعب الوسط الشاب “دوني فان دي بيك” المنتقل حديثًا إلى مانشستر يونايتد بحوالي 39 مليون يورو في الميركاتو الصيفي الحالي.
نموذج دوني فان دي بيك -البالغ من العمر 23 عامًا- يمكنه تلخيص الفلسفة التي اتبعها فان دير سار في حياته الخاصة ومن ثم طبقها في عمله مع النادي، فقد كان من الممكن أن يترك فان دي بيك خلال الميركاتو الصيفي 2019، عندما كان ريال مدريد ضمن أندية كثيرة تود الظفر بخدماته.
لكن فان دير سار اعتبر التوقيت خاطئًا، ففي تلك الأثناء كان يُشرف بنفسه على مغادرة لاعب الوسط الموهوب “فرينكي دي يونج” إلى برشلونة مقابل 86 مليون يورو، والمدافع اليافع “ماتياس دي ليخت” المنتقل إلى يوفينتوس في صفقة قدرت بـ 75 مليون يورو، وفضلاً عن “كاسبر دولبيرج” الذي رحل إلى نيس الفرنسي مقابل 20.5 مليون يورو.
اتفقت إدارة أياكس آنذاك بتوصية من فان دير سار على منع فان دي بيك من تحقيق حلم الخروج، فقد كان “سار” يشعر أنه لا يستطيع احداث أي تغيير في تشكيلة الفريق آنذاك.
الاحتفاء بفان دي بيك “العملي”
يتفهم عشاق أياكس الموقف إلى الحد الذي يمكنهم فيه الاحتفاء عندما يمنحهم أحد اللاعيبين المفضلين وقتًا أطول قبل الانتقال.
وبحسب ما قاله فان دير سار فإن فان دي بيك تفهم الأمر أيضًا، وقال “دي بيك كان بخير معنا لمدة 10 سنوات، يحب أياكس، وأعتقد أنه كان بحاجة إلى عام إضافي معنا”.
وأضاف “كان التوقيت هذا الصيف مناسبًا كي يرحل. عندما عاد فان دي بيك الى أمستردام ليلعب مع هولندا ضد إيطاليا في 7 من سبتمبر، أشعلت مجموعة من مشجعي أياكس المشاعل و غنوا له خارج الملعب بعد المبارة، و نزل فان دي بيك من سيارته مصفقا لهم”.
وخلال حوار مطول لإدوين فان دير سار مع صحيفة جارديان البريطانية هذا الأسبوع، ضرب مثالاً بالجامعات التعليمية، حين قال “لنفترض أننا (أياكس) مثل جامعة ستانفورد أو اكسفورد أو هارفارد، وبعد ذلك تذهب إلى ميريل لينش، أي إلى الشركات الكبيرة، حيث يمكنك كسب المزيد من المال، هناك توجد مزيدًا من المنافسة”.
وواصل “خلال فترة الشباب، كان دوني ضمن موهبتين أو ثلاثة مواهب كبيرة في الفريق. لم يكن لاعبًا رائعًا، ولم يكن يقوم بـ 12 خطوة أو يسجل أهدفًا استعراضية أو أكروباتية (ركلات خلفية مزدوجة)، كان أسلوب فان دي بيك عمليًا للغاية، كان دائمًا في المكان المناسب”.
أياكس لا يتغير أبدًا
استهدف فان دير سار عند ترقيته من منصب المدير التسويقي في أياكس إلى الرئيس التنفيذي في نوفمبر 2016، إعادة اياكس إلى ما كان عليه النادي في السبعينيات ومنتصف التسعينيات، عندما كان يُقارع أعتى أندية أوروبا على ذات الأذنين.
وفي حديثه مع جارديان، طغت في تلك اللحظة العاطفة على أفكار إدوين فان دير سار، قائلاً “قميص أياكس واحد من الأقمصة القليلة التي لا تتغير مهما حدث، إنه احمر اسفل المنتصف، إنه عمودي، ليس افقيا، ليس في كتل. الشيء الرئيسي هو أن الجميع قادر على معرفة هذا القميص جيدًا”.
يتابع “في السبعينيات كان لدينا يوهان كرويف، وفي فترة الثمانينيات كان لدينا فرانك ريكارد وماركو فان باستن، وفي منتصف التسعينات، كنت أنا وريكارد للمرة التانية، والتوأم فرانك ورونالد دي بوير، وإدجار دافيدز وكلارينس سيدروف وباتريك كلويفرت ومارس أوفرمرس، وبعد تلك الفترة ساد الهدوء بعض الشيء في النادي، لذلك بالنسبة لنا كان لدينا جمهور جديد أصغر سنًا لمعرفة: من هو أياكس أمستردام”.
أياكس الحب الثاني
يريد إدوين فان دير سار أن يكون أياكس الحب الثاني لجميع عشاق كرة القدم حول العالم، وهذا هو العنوان الذي اختارته صحيفة جارديان لتعنون به مقابلتها الشيقة مع الحارس المعتزل بين صفوف مانشستر يونايتد عام 2011، عقب خسارة نهائي دوري أبطال أوروبا أمام برشلونة.
ويقول فان دير سار حول تلك النقطة “أريد أن يكون لكل مشجع كرة قدم حب آخر غير فريقه الرئيسي، ويكون هذا الحب هو أياكس. كيف نفعل ذلك؟ الحفاظ على أسلوبنا الهجومي وتطوير اللاعبين الصغار، ومواصلة منح جميع الأندية الأخرى بعض لاعبينا”.
وأضاف “المعركة التي لدينا هو أن نكون اسمًا كبيرًا، ولكن بميزانية أصغر وأن نحارب العمالقة في القارة، و هذه المعركة رائعة، في بعض الأوقات، حتى نحن الهولنديين يمكن أن نكون رومانسيين. ليس لدينا رجل كبير و ثري من خلفنا كي ينفق على النادي، و هذا ما يُميزنا عن الآخرين”.
وبحسب مؤسسة “ديلويت” الاقتصادية، بلغت إيرادات أياكس أمستردام لموسم 2018/2019 (199) مليون يورو ، مما جعله يحتل المركز 23 في قائمة الأندية الأوروبية الأغنى.
وتضخم هذا الرقم من خلال القفزة غير المتوقعة التي حققها الفريق بالترشح إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2019، ليحصل النادي على مبلغ 79 مليون يورو.
وعن تلك المكاسب، قال إيدوين فاندر سار “للتوضيح الملعب غير متكافئ. ضع في اعتبارك أموال التلفزيون المحلية الخاصة بمنافسينا في نفس الفترة: 10.6 مليون يورو. وست هام الذي أنهى في منتصف جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز حقق 145 مليون يورو في نفس الفترة.
وتابع “جاء فيروس كورونا الذي أجبرنا على إلغاء الدوري الهولندي وبدء موسم جديد بحشود أقل ومتباعدة اجتماعيًا، وبلغ عدد الحضور في ملعب أياكس آرينا (يوهان كرويف) الذي يسع لـ 55 ألف متفرج إلى 12 الف متفرج فقط”.
وتعتقد إدارة نادي أياكس بشكل كبير على دخلها من حضور المباريات، و الذي كانت حصلته 53.2 مليون يورو في موسم 2018/2019، ويقول فان دير سار: “كان لدينا نسبة 22% فقط توافدوا على الملعب طوال الموسم بأكمله. هذه النسبة من 53 مليون يورو تساوي حوالي 11.5 مليون يورو، لذا نحن خسرنا 41.5 مليون يورو”.
ما خلفته جائحة فيروس كورونا ستؤثر بالتأكيد وستزيد الضغط لاتخاذ القرارات بشكل صحيح، والاستمرار في إنشاء مسارات من الاكاديمية لتحقيق التوازن بين الشباب والخبرة في الفريق الأول، بهدف بيع اللاعيبين في الوقت المناسب مستقبلاً.
وأوضح فان دير سار “نحن لا نقول انها خطة عمل، إنه برنامج كرة قدم. نريد تحقيق نجاحًا مع اللاعبين الذين نقوم بتعليمهم، وإذا فزنا بالالقاب في غضون عامين أو ثلاثة أعوام، وبلغنا مستوى أعلى ،فيجب ان يتحول اهتمام الأندية الأخرى صوبنا، هذه الأندية يجب أن تكون كبيرة. بعد ثلاثة أعوام سيتوجب علينا المضي قدمًا”.
كيف يُدير فان دير سار؟
أشرف فان دير سار على التغييرات في هيكل مجموعة شباب اياكس وتوظيف المدربين، ومنحهم مزيدًا من الوقت، ودمج المدرسة بشكل أفضل في التدريبات.
دفع الحارس الأسطوري بنموذج توظيف أكثر استباقية، حيت يتم الشراء بشكل سريع والبيع لاحقًا، مع وضع الميزانية على مستوى دوري ابطال اوروبا قبل أن يتأهل الفريق إليه، بهدف زيادة فرص النادي في القيام بأعماله بشكل صحيح وفي توقيت مثالي وهذا يقلل من مخاطر الاستدانة للبنك.
ويعتقد فان دير سار أن العديد من الأندية قد استثمرت قي حقوق النقل التلفزي، وإن الأموال التجارية “ستستمر في الارتفاع بنسبة 10% كل عام”، وبسبب الوباء “انفجرت الفقاعة قليلاً” بحسب قوله.
وأضاف “العوامل الدافعة للايرادات الجانبية في اياكس، مثل عملنا لمساعدة الأكاديميات في الأندية ببلدان أخرى، لا سيما نادي الشارقة لكرة القدم في الإمارات العربية المتحدة، وقوانغتشو ار آند إف في الصين. أياكس يبيع خبراته بشكل فعال في عملية تنمية اللاعبين صغار السن”.
وتابع حديثه المطول مع جارديان “من المهم أن يكون لديك دعمًا ماليًا، وأن تكون قويًا، إذا فاتتنا سنة واحدة في دوري أبطال أوروبا، وإذا لم نقم ببيع اللاعبين، دعمنا هو ما يجنبنا المشاكل، ودعمنا الحالي أكبر بكثير من الأندية الرائدة التي تحكم أوروبا في الوقت الحالي”.
ويشير إلى أن هذه الاندية تزعم أن فيروس كورونا قد تسبب في تراجع سوق الانتقالات، قائلاً “أفترض انهم ما زالوا يدفعون نفس الرواتب الكبيرة”.
من الواضح أن أياكس لن يتأثر وطريقة عمل فان دير سار في وهدفه في أن يجعله “الحب الثاني لجميع عشاق كرة القدم حول العالم” لن يحطمه جائحة فيروس كورونا، فقد رحل فان دي بيك بمبلغ ضخم، وكذلك حكيم زياش الذي انضم إلى تشيلسي مقابل 40 مليون يورو، بالتالي فإن أي عمل إضافي سيكون بشروط أياكس.
وختم فان دير سار بعبارة رائعة أوضحت مدى صلادة الأرض التي يقف عليها الآن، حين قال “نحن لا نتوقع بيعًا خاسرًا، لسنا بحاجة للبيع الآن، يمكننا دائمًا بيع اللاعبين، ولكن ليس لسد الثغرات في الميزانية، أريد بيع اللاعبين بالقوة”.