تحليل | معضلة راكيتيتش!
من الأمور المثيرة التي تصادفني وتجعلني اتساءل أكثر من مرة عن السبب وتحليل مثل هذه الأسباب، هي مسألة التفاوت الكبير ما بين المعلومة والرأي المنتشر ما بين الإعلام الرياضي العربي ومتابعيه والإعلام الإسباني، ومعضلة راكيتيتش دليل دامغ على ذلك.
عندما أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي من المجاميع الرياضية العامة ومجاميع متابعي نادي برشلونة العرب، أجد أن هناك كلام كثير حول مستوى راكيتيتش، وإن كان هذا اللاعب يستحق أن يكون في التشكيلة الاساسية للفريق، وإن كان “حبيب فالفيردي” كما يطلق عليه من قبل الجمهور العربي، وهل هو من الأساس مؤهل لارتداء قميص البارسا؟.
لكن الغريب في الموضوع و لكوني مشارك نشط في الكثير من المجاميع الإسبانية منذ سنوات، وعضوًا رسميًا بالنادي الكتالوني، بالإضافة إلى تواجدي في ملعب الكامب نو في معظم المباريات، وبعض المباريات التي تقام خارج الكامب نو، فاتبادل الحديث مع الجمهور بشكل مباشر، وأجد أن الاغلبية الساحقة منه لا تشكك ولو بمرة بمستوى راكيتيتش، لما يقدمه من مستوى مميز وإلتزامه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في الفريق.
راكيتيتش يُنظر إليه في برشلونة على أنه أكثر اللاعبين إلتزامًا، كما يحظى بحب واحترام جمهور كامب نو بشكل عام، لأنه العنصر الذي نجح في أغلب الاختبارات التي أنيطت له من أجل تغطية مراكز ووظائف وأدوار مختلفة على مدار الموسمين الاخيرين بقيادة المدرب ارنيستو فالفيردي الذي جرب بدوره الكثير من الرسوم التكتيكية لتقوية خط وسط البارسا.
لا يهم ما هو الرسم التكتيكي أو التشكيلة المشاركة في المباراة، إيفان دائمًا ما يكون أحد أركان وركائز الرسم التكتيكي للفريق، وهو اللاعب الذي يمكن أن يتم تحويره من موقع ودور إلى آخر أثناء نفس المباراة وحسب معطياتها ومتغيراتها، و هذا ما يجعله أحد أكثر اللاعبين لعبًا للدقائق في مختلف البطولات بقميص البلاوغرانا.
في نفس الوقت يجد البارسا نفسه يراقب بصمت عملية تطوير وتقوية الفريق بالعناصر الجديدة الشابة التي من الممكن أن تضيف نفسًا جديدًا في مركز الوسط كونه المركز الأكثر أهمية في تشكيلة البارسا، كيف لا وهو المركز الذي تم استقطاب أكثر عدد من اللاعبين في السنوات الاخيرة فيه رغبة من النادي في خلق خطًا متماسكًا متوازنًا و متنوعًا، بهدف تجسيد القوة الضاربة في صفوف البارسا.
الأيام التي تلت رحيل تشافي وتراجع مستوى إنييستا بينت للجميع كم هي صعبة مهمة نجاح راكيتيتش لملء هذا الفراغ، ونجاح لاعب في نادي معين لا يعني ابدًا أنه سينتج ويبدع بقميص برشلونة نظرًا لكثرة الضغوطات ولارتفاع سقف مستوى المطالب لهذا النادي.
من هنا بدأت تبرز إمكانية جلب الفرنسي آدريان رابيو، هذا بالإضافة إلى أن البارسا بالفعل وقع مع لاعب الوسط الهولندي دي يونج ليكون أحد أبرز صفقات النادي استعدادًا للموسم المقبل، وهذا غير صعود أسهم لاعبي اللاماسيا أمثال “الينيا” والأمير الصغير “ريكي بوتش” الذي بات أكيدًا أنه سيصعد في الموسم المقبل إلى الفريق الاول.
وللرد على السؤال الأكثر تكرارًا وإلحاحًا هذه الأيام بين صفوف جماهير البارسا، وهو أين سيكون راكيتيتش الموسم المقبل؟ هل سينضم إلى نيكو كوفاتش في بايرن ميونخ أم سيبقى؟.
كما اتفقنا، راكي أحد الدعامات الاساسية لوسط الفريق وهو بالفعل أكثر العناصر انسجامًا و استفادة في التشكيلة، وهذا نفس رأيي، لكن هناك رأي آخر يحث برشلونة على ترك العاطفة جانبًا ويقوم ببيعه الآن ويعتمد كليًا على الشباب “من الوافدين الجدد وممن سيتم تصعيدهم من الفريق الرديف”.
عدد من الفرق الاوربية أبدت اهتمامها بخدمات الكرواتي، وبعض الاخبار من الصحافة الايطالية ربطت الانتر باللاعب بعد فشل النادي في استقطاب لوكا مودريتش من ريال مدريد، وفي المانيا البايرن يبدو أنه على اتصال بوكيل اللاعب، وفي إنكلترا مانشستر يونايتد أيضًا ربط باللاعب، وفي فرنسا، باريس سان جيرمان لم يخف أبدا بأنه سيكون أول من سيحاول خطف راكيتيتش متى ما سنحت الفرصة.
كل هذا ولا يزال جمهور برشلونة العربي يشكك في قيمة راكيتيتش، في حين لا احد يخطر بباله أن يطرق هذا الموضوع في مدينة برشلونة.
في برشلونة نجد أن اللاعب قالها على الملأ بلسانه بأنه يريد من بارتوميو تجديد عقده لأنه يريد البقاء في البارسا وهو مرتاح جدًا في إسبانيا وفي مشواره الكروي هنا.
من جانب آخر نجد أن فالفيردي الذي جدد عقده لسنتين إضافيتين الشهر الماضي، يُصر بشدة على إبقاء راكيتيتش في الفريق بغض النظر على مَن يأتي ومَن يخرج من تشكيلة الفريق.
هذا ما يجعلنا ننظر إلى صاحب القرار وأخذ رأيه بعين الاعتبار قبل أي أحد، والإدارة الرياضية تعي جيدًا أن مسألة تقييم القيمة الرياضية وعامل الخبرة من جهة بالاضافة إلى العامل المالي والقيمة السوقية من جهة أخرى لا يمكن ان يتم البت بها في يوم وليلة، قيمة راكيتيتش تصاعدت هذا الموسم وأصبحت أعلى من الموسم الماضي بالنسبة لبرشلونة، وها هو يسجل هدف الفوز في الكلاسيكو، ليبتعد البرسا في الصدارة بفارق مريح من النقاط قبل 12 جولة من النهاية.
يجب ألا يخاطر برشلونة ويترك كل هذه المميزات بيد وافدين جدد ولاعبين شباب يمنحهم ثقة أكبر منهم بقيادة وسط نادي برشلونة.
الأمور مازالت مبكرة و مهما تكاثرت الأخبار القادمة من شتى أنحاء القارة العجوز، فلن يحدث أي تحرك سريع بهذا الشأن في الاسابيع القادمة.
في أحد اخبار صحيفة الموندو ديبورتيفو قبل أيام، ذكرت أن إدارة البارسا تضع في بالها تجديد قصير الأجل لإيفان راكيتيتش من اجل ضمان بقائه في الفريق لفترة محددة ليكون هو الممهد والمساند لعملية تأقلم اللاعبين الشباب لكي يأخذوا زمام الامور في المستقبل.
اختصارًا لكل ما ذكرت أرى أن راكيتيتش على أقل تقدير سيبقى في البارسا لمدة موسم أو موسمين قادمين، تقييمًا لمجهوده و لارتباطه بالنادي من جهة وتمهيدًا لتأهيل الوافدين الجدد من جهة ثالثة، فراكيتيتش ليس حبيب فالفيردي فحسب، بل هو حبيب برشلونة ولو كره جمهور مجاميع التواصل الاجتماعي ذلك.